منذ فترة طويلة، وأنا أتابع الخط البياني الصاعد للاقتصاد الأفريقي الواعد جداً، وهو أمر لم تتنبه له، للأسف، الكثير من الدول العربية وبخاصة في منطقة شمال أفريقيا.
أصبحت القارة السمراء خلال العقود الماضية ملعباً للنفوذ الغربي بامتياز، ولعل الحالة الجزائرية ملهمة في هذا الإطار، إذ تقفز مجموعة من الأسئلة المهمة حول كيفية الاستفادة الجزائرية من الفرص الاستثمارية المتاحة في القارة الإفريقية؟ خاصة بعد أن التحقت رسميا بمنطقة التبادل الحرة للقارة بداية العام الجاري، وما إذا كان هذا الانفتاح سيؤدي حقاً إلى ترقية التعاملات التجارية المتواضعة مع الأفارقة، والتي لا تتجاوز 3% من مجموع تعاملات الجزائر الخارجية والمرتكزة أساساً على دول شمال القارة؟
هذا الأمر يضع الجزائر في المرتبة العشرين بين أكثر الدول المفيدة اقتصادياً للقارة السمراء، التي يبلغ حجم الميزان التجاري معها نحو 830 مليون دولار.
على أية حال، فإن الالتفاتة الجزائرية المتأخرة للسوق الأفريقية، بالرغم من كونها حديقة خلفية للاقتصاد الجزائري تعد انتباهه ضرورية للغاية، لأن أعداد المستهلكين في هذه السوق الواعدة كثيف للغاية مع 1.2 مليار نسمة، ينفقون مبادلات تجارية بحدود 3 تريليونات دولار سنوياً، مع ناتج محلي إجمالي لـ 54 دولة أفريقية بحوالي 2.7 تريليون دولار، ونعتقد أن ضربة البداية في تنمية العلاقات الاقتصادية بين الجزائر والبلدان الأفريقية تبدأ من تذليل العقبات الراهنة أمام حركة التجارة البينية.
بقدر ما يكتسي هذا التحول أهمية كبيرة، فإنه ينبغي التأكد أولاً من جاهزية البنية التحتية في الجزائر لتأسيس منافذ برية عبر صحرائها الشاسعة، والتي تعد خياراً إستراتيجياً لتنويع الصادرات وتقليص الإدمان على قطاع النفط في ميزانية الدولة، ومن المناسب أن تقوم إدارات التخطيط الحكومية بوضع استراتيجية خاصة بالقارة الأفريقية بهدف تعزيز التنافسية، والاستحواذ على حصص سوقية، خاصة في قطاعات نوعية مثل الصناعات التحويلية الغذائية والتجهيزات الإلكترونية والكهرو منزلية.
من المرجح بعد 5 سنوات من دخول اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية حيز التنفيذ، أن تظهر الآثار الإيجابية على الاقتصاد الجزائري، إذ يتوقع أن ترتفع حجم التبادلات البينية مع القارة الأفريقية، من 15% إلى 55%، وهذا الأمر سيسهم في زيادة تدفق النقد الأجنبي، مع بلوغ الصادرات غير النفطية 5 مليارات دولار، وهو الهدف الذي رسمته الحكومة الجزائرية، فضلاً عن هذا، فإن التوجه للسوق الأفريقية سيعد بمثابة ورقة جزائرية لتخفيف الضغط الأوروبي حول اتفاق الشراكة.
وبالرغم من أن إحلال شركاء جدد محل الاتحاد الأوروبي، الشريك التجاري الأول للجزائر، ليس عملية سهلة على المدى القصير، خاصة في ظل الجاهزية اللوجستية للأوروبيين، وقوتهم الاقتصادية وتفوقهم التكنولوجي، في الوقت الذي تثير فيه السوق الأفريقية التحديات حول مدى الجاهزية، والاحترافية في التصدير، والإجراءات البيروقراطية، والعراقيل الجمركية والبنكية، هذا فضلاً عن أن الجزائر ليست عضوا في 12 تكتلاً اقتصادياً في أفريقيا، تربطها اتفاقات ومزايا تفضيلية خاصة، لا تشملها اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية، وهذا ما قد يعيق تنافسية الجزائر القارية.
لكن، السؤال الأهم هو: هل تحقق الجزائر كامل أهدافها الاقتصادية في أفريقيا؟.. ربما تتحقق بعض أهم الأهداف بشكل تدريجي لأن المنطقة الأفريقية محل صراع نفوذ بين قوى كبرى أهمها الصين وأمريكا وأوروبا وروسيا وتركيا والبرازيل، فالمساعدات والتمويلات الصينية والروسية والفرنسية خاصة هي أكبر محفز للدول الأفريقية لتفضيل إقامة شراكات تجارية خارج القارة، ويكاد لا يوجد ضمن قائمة زبائن الجزائر أي دولة أفريقية لديها تبادل تجاري يُذكر، باستثناء تونس بقيمة 700 مليون دولار، وحتى تصدير الإسمنت لا يتجاوز 100 مليون.
لابد أن ينصب التركيز الآن على دعم جهوزية الاقتصاد الجزائري، عبر إعادة ترميم وتأهيل صناعة البتروكيميائية التي تعاني تدهورا كبيراً بسبب تقادم آلات الإنتاج، وتحفيز منتجي قطاع السيارات، وتوفير القدرات اللوجستية التصديرية مثل تخزين وتبريد المنتجات الزراعية الطازجة، وهذه الأمور غير متوفرة بالقدر الكافي في الجزائر، وعلى سبيل المثال، فقد سجلت أسعار التمور الجزائرية، والتي تعد أهم صادرات الجزائر في السنوات الأخيرة، انهياراً تاريخيّاً في عام 2020، نتيجة ضعف القدرات اللوجستية التصديرية، فلا يمكن للجزائر أن تصدر تمورا بقيمة 30 مليون دولار سنوياً، في حين تصدر تونس 300 مليون دولار، رغم أن الجزائر تنتج ضعف تونس من التمور.
د. خالد رمضان خبير دولي متخصص في العلاقات الدولية والدبلوماسية– مصر