يبدو أن الجزائريين سيكونون على موعد في العام الجديد مع حقبة جديدة تطوي سنوات التقشف المتواصلة منذ 2018، بعدما زادت الحكومة موازنتها العامة بمقدار 12 مليار دولار عن 2021، من نحو 62مليار دولار إلى 74 مليار دولار.
هذا يعني أن الاقتصاد سيبدأ للتو في التعافي تدريجياً من أثار الجائحة والصدمة النفطية، التي خلفت عجزاً تاريخياً في موازنة 2021، بلغ 22 مليار دولار، بالإضافة إلى فقدان نحو نصف مليون وظيفة، إلا أنه من المرجح أن ينمو الاقتصاد الجزائري هذا العام بنحو3.2 %، مع انتعاش الصادرات وزيادة الإيرادات البترولية.
وبرغم بعض المؤشرات الإيجابية إلا أن تحقيق الأهداف التنموية يرتبط بمراعاة شرائح المجتمع الجزائري الأكثر ضعفاً، وستكون الحكومة أمام رهان إطفاء لهيب الأسعار التي اشتدت وطأتها وتدهورت معها القدرة الشرائية، كما يتعين على السلطات اتباع سياسة نقدية دقيقة، وسعر صرف مرن، وإنهاء مرحلة الإدمان على النفط، والاستفادة من الثروات المعدنية التي تزخر بها البلاد لتحقيق نمو اقتصادي حقيقي بنسبة 6٪ سنويًا حتى عام 2030، مما سيرفع نصيب الفرد من 4500 دولار إلى 10100 دولار بنهاية العقد الحالي.
يبقى الرهان الأكبر للجزائر مرتكزاً على تعزيز استثمارات قطاع التعدين، ووضع آليات للانعتاق من سنوات “عبودية البترول”، وزيادة الإيرادات خارج قطاع المحروقات العتيق، وتعزيز اقتصاد المعرفة والبحث والتطوير والابتكار، مع تسريع التحول الرقمي وتطوير الشركات الناشئة.
ورغم التأخر في تحرير الاقتصاد من ريع البترول إلا أن خارطة الطريق الاقتصادية واعدة ومبشرة، وإذا كانت التبعية لقطاع المحروقات عرقلت تنمية قطاعات مثل السياحة، والزراعة، والصناعة، إلا أن الآمال معقودة على تعزيز الصادرات غير النفطية التي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً بلغ 118% خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2021.
ضمن المؤشرات الإيجابية، استطاعت الجزائر هذا العام تصدير كميات كبيرة من الإسمنت والحديد والصلب والفوسفات، فيما نجح القطاع الزراعي في تصدير 12% من إنتاجه، وهو أمر غير مسبوق، وهناك مشاريع أخرى سياحية وصناعية وإلكترونية آخذة في التطور، وبالرغم من أنها صادرات غير كافية، إلا أنها تعد خطوة على الطريق الصحيح، إذ يمكن أن ترفع الإيرادات خارج قطاع المحروقات بنحو 5 مليارات دولار، واللافت، أن أرقام الاستثمارات الأجنبية المباشرة لا تزال ضعيفة، ولا تعكس قدرات الجزائر، حيث لا يتجاوز حجمها ملياراً و125 مليون دولار.
باعتقادي، فإن الجزائر لن تتحمل من الآن فصاعداً، تحويلات مالية ضخمة تخص أرباح الشركات الأجنبية، والتي استثمرت في الجزائر من 50 إلى 60 مليون دولار، بينما تقوم بتحويلات سنوية تفوق 250 مليون دولار، ولا شك أنه في ظل شح الموارد المالية، تظهر أهمية الاستثمارات الأجنبية، وذلك لما تحققه من مزايا عديدة للاقتصاد المحلي، أهمها جلب رؤوس الأموال، ونقل التكنولوجيا، وتشغيل اليد العاملة، وزيادة الناتج الوطني ورفع الصادرات، وتحقيق الإقلاع الاقتصادي المنشود.
د. خالد رمضان خبير دولي متخصص في العلاقات الدولية والدبلوماسية